توترات في إيران.. آلاف المعتقلين بعد الحرب ومخاوف من موجة إعدامات
توترات في إيران.. آلاف المعتقلين بعد الحرب ومخاوف من موجة إعدامات
تشهد شوارع المدن الإيرانية حالة من الخوف والقلق منذ انتهاء حرب الـ12 يومًا بين إيران وإسرائيل، فمع توقف الغارات وتراجع هدير الطائرات، بدأ صوت آخر يعلو في الداخل الإيراني، صوت صفارات الأجهزة الأمنية وهي تعتقل المئات، بل الآلاف، في مداهمات ليلية واعتقالات فجائية، طالت ناشطين، ومواطنين عاديين، وأفرادًا من أقليات دينية، وحتى بعض الأجانب.
"كنت فقط أُصوّر".. بهذه العبارة يختصر كثير من المعتقلين حكايتهم، وفق ما ذكره رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجه إي، الذي أكد أن بعض المحتجزين "كانوا فقط يصورون بعد القصف"، دون نية للقيام بأعمال معادية، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، الأربعاء.
ومع ذلك، وجد كثيرون أنفسهم في زنازين ضيقة، بتهم تصل إلى "التعاون مع العدو"، وهي تهمة في القانون الإيراني قد تعني حكمًا بالإعدام.
اتهامات بالتجسس.. وإعدامات
في لقاء تلفزيوني بُث أمس الثلاثاء، أعلن إيجه إي أن عدد المعتقلين فاق الألفين، وأن بعضهم أُفرج عنهم بكفالة، في حين أن آخرين يواجهون تهمًا "ثقيلة"، على رأسها التجسس والتعاون مع أطراف خارجية.
ويُرجَّح أن يُواجه بعض هؤلاء أحكامًا بالسجن المؤبد أو الإعدام، خاصة من وصفهم إيجه إي بأنهم "ذوو سوابق أمنية ويتعاونون تنظيمياً مع العدو".
يأتي هذا الإعلان بعد تصريحات وزير الاستخبارات إسماعيل خطيب، في 16 يوليو، التي أكد فيها تنفيذ أحكام إعدام بحق متهمين بالتجسس، مهددًا بأن "البقية سينالون جزاءهم".
خوف بين الأقليات
في زحمة التوقيفات، كان للأقليات الدينية النصيب الأثقل، إذ أفادت تقارير حقوقية أن من بين المعتقلين مواطنين بهائيين ويهودًا ومسيحيين، ما أثار قلقًا داخليًا وخارجيًا من موجة قمع جديدة تستهدف من لا صوت لهم.
ومما زاد المخاوف، مقال نُشر يوم 8 يوليو في وكالة "فارس" التابعة للحرس الثوري، اعتبر أن عمليات الإعدام الجماعية التي نُفذت عام 1988 كانت "تجربة ناجحة" في مواجهة المعارضة، في إشارة مباشرة إلى مجزرة "الصيف الدامي"، التي راح ضحيتها آلاف السجناء السياسيين.
تحوّل الهاتف المحمول إلى تهمة، فالمواطن الذي كان يصوّر الدمار في مدينته أصبح فجأة "متعاونًا مع العدو".
القصص تتشابه.. شاب خرج لتوثيق آثار قصف إسرائيلي قرب منزله، فاعتقلته دورية بعد ساعات. طالبة جامعية نشرت تغريدة تدعو فيها للسلام، فاختفت من سكنها في منتصف الليل.
ولم يكن الأمر مجرّد تداعيات أمنية، بل بدا وكأن البلاد تخوض حربًا ثانية، حربًا ضد الكلمة، والصورة، والذاكرة.
تصاعد موجة الاعتقالات
في ظل تصاعد الاعتقالات، أطلقت منظمات حقوقية، بينها "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"، تحذيرات عاجلة من استخدام الحرب مع إسرائيل ذريعة لقمع الداخل وتصفية الحسابات السياسية والدينية.
ولفتت إلى خطورة تسريع المحاكمات خارج الإجراءات العادية، ما قد يفتح الباب أمام إعدامات تعسفية.
اليوم، يعيش الإيرانيون في مفترق خطير: فبين تهديدات الخارج وضغوط الداخل، يجد المواطن نفسه وحده أمام ماكينة أمنية لا تميز بين متفرج وفاعل، وبين معارض وناشط، وبين متدين وعلماني.
وفي المقابل، تزداد عزلة إيران الدولية، ويزداد نزيفها الداخلي، ليس فقط سياسيًا، بل إنسانيًا.
"نخشى أن يتكرر الجحيم".. هكذا عبّرت إحدى المنظمات الحقوقية عن مخاوفها من العودة إلى مناخ عام 1988، حين حُكم على آلاف المعارضين بالإعدام بعد محاكمات سرية لم تستغرق دقائق.
واليوم، مع وجود قانون يسمح بعقوبات تصل إلى الإعدام بحق "المتعاونين مع العدو في زمن الحرب"، تتكرر العبارة ذاتها في كل بيان حقوقي: "نخشى تكرار الجحيم".